مطر جدة- تكرار المأساة وغياب الضمير
المؤلف: علي محمد الرابغي08.10.2025

(المطرة لها محب ولها كاره) هذا المثل الشعبي العتيق لم ينبثق من العدم، بل تشكلت مفرداته وتركبت كلماته بناءً على خبرة أو تجارب راسخة.. استقرت خلاصتها في بؤرة الوعي، فصاغها المنطق بهذه العبارة الموجزة.
والمطر هو رحمة من الله، دموع السماء التي تغسل الأرض وتطهرها من أوزار البشر.. ولعل أصدق الصور تعبيرًا وبهجة هي تلك التي تجسدها الكائنات الحية، وفي طليعتها الأشجار والنباتات والأزهار.. فهي تكاد تنطق بالبهجة والصفاء والانشراح.. أما الإنسان، هذا المخلوق الحي العجيب الذي سُخّرت له المخلوقات لسيادته بفضل الله.. فمنه المؤمن الذي يعشق المطر ويستأنس به، ومنه من يمقته ويكره بذلك نعمة الله.
جدة تغرق في شبر ماء:
لقد هطل المطر باكرًا في صباح يوم الأربعاء الفائت، فكشف عن نقائص وعيوب جمة في شتى مناحي حياتنا، وفي ذواتنا.. فالطرق الرئيسة التي أنفقت عليها الأموال الطائلة سرعان ما تحولت إلى بحيرات آسنة.. غرقت المركبات وغاص ركابها في الأوحال، وتعطلت حركة السير، لا سيما بالنسبة للطلاب والطالبات، وما كان لهذا أن يحدث لولا الغش من القائمين على التنفيذ، وخيانة الله والضمير.. وخيانة هذا الوطن والأمانة.. فقد كان التنفيذ رديئًا لم يراعِ مستويات المياه وانحدارها، وكأن من شيدها قد يئس من رحمة الله.. وعلى الرغم من أن أجهزة الدولة تحركت (الأمانة وشركة النظافة والدفاع المدني) وبذلت قصارى جهدها، إلا أن ما وقع يشكل تشويهًا لجمال المدينة.. لطخ وجهها بالتجاعيد، وإذا ما أمعنت النظر يصدمك الواقع المرير الذي كشفت عنه هذه الأمطار الغزيرة.
السيل من أعالي السطوح:
وقد استيقظ الناس على واقع آخر، فقد تدفق الماء جارفًا بقوة، وأخذ ينهمر من فتحات الأسطح، محاولًا بعد تجمعه أن يجد منفذًا، فيغمر كل ما يعترض سبيله، وداهم النائمين ليوقظهم جميعًا وهم في وضع مدهش.. وعلى الرغم من أن الأسقف مبنية من الإسمنت المسلح، إلا أنها أصبحت تمثل سماءً اصطناعية تنثر المطر كأفواه القرب المثقوبة.. وكذلك بدأت المجاري العامة والخاصة بالتسرب إلى الخارج بعد أن امتلأت وبلغت ذروتها، ولم تجد مسالك تصريف سلسة.
أما السيارات فحدث ولا حرج، فهي أزمة ضمير وأزمة أخلاق متجسدة، فهي الوسيلة التي تعتمد عليها لتنجو من المطر والمستنقعات، لتبلغ مقر عملك أو منزلك، أو لتصطحب أبناءك من المدارس.
وبالعودة إلى السيارات، نجدها قد توقفت وتعثرت حركتها، ولا يعود ذلك إلا لسوء المواصفات، ولكن إنصافًا للحقيقة، نقول إن الشركة المصنعة لم تضع في حسبانها أن تكون السيارة برمائية، أي قادرة على السير في البر والبحر على حد سواء.. وكنتيجة لكل ما سبق، اسمحوا لي يا سادة يا كرام، أيها المسؤولون في المرافق العامة والمؤسسات والشركات، واسمحوا لي أيها المهنيون الأفاضل من مقاولين ومهندسين وعمال تنفيذ، ومن تجار وباعة، أن أطرح عليكم هذا السؤال: إن أوروبا أو الغرب، بل وحتى الشرق، تحل عليهم الأمطار بغزارة تفوق حالتنا.. ففترات هطول الأمطار قد تستمر شهرًا كاملاً.. ولكن لم يحدث قط أن تعطلت حركة المرور، أو تجمعت المياه لتشكل بحيرات، أو أصيبت أجهزة الهاتف بالشلل، أو.. أو.. أو، وما أكثر تلك الأو.. إنها والله مسألة تستدعي التفكير مليًا.. فهل نعيد النظر في جميع تصرفاتنا، ونتطلع إلى المستقبل بإيمان وثقة بما عند الله.. ونضع في اعتبارنا أن المطر قادم في كل عام، بل ويأتي دائمًا، ونتعامل مع الواقع على هذا الأساس.
أتمنى من الله أن يرزقنا من الإيمان ما يضاهي فعل المطر.. فيغسل عنا كل الشوائب والأدران، ويطهر قلوبنا وضمائرنا، لينعكس كل ذلك على أدائنا وإحساسنا بالمسؤولية، وبالولاء للوطن.. آمين.. آمين.. آمين.
هذه مقتطفات من مقالة لي نُشرت سابقًا بتاريخ الثلاثاء 4 جمادى الأولى 1409، أي مضى عليها 29 عامًا ولا تزال المأساة تتكرر على الرغم من الأموال الطائلة التي أنفقت على المشاريع والبنى التحتية.. ولكن مطرة خفيفة كمطرة يوم الجمعة الماضي، على الرغم من أنها لم تكن قوية ولم تدم طويلاً، ومع ذلك تركت آثارًا سلبية جلية.. الأمر الذي يعني أن هناك تراكمات وأخطاء منذ ذلك التاريخ وحتى الآن (وكأننا يا بدر لم نتقدم قيد أنملة)، وحسبي الله ونعم الوكيل.
والمطر هو رحمة من الله، دموع السماء التي تغسل الأرض وتطهرها من أوزار البشر.. ولعل أصدق الصور تعبيرًا وبهجة هي تلك التي تجسدها الكائنات الحية، وفي طليعتها الأشجار والنباتات والأزهار.. فهي تكاد تنطق بالبهجة والصفاء والانشراح.. أما الإنسان، هذا المخلوق الحي العجيب الذي سُخّرت له المخلوقات لسيادته بفضل الله.. فمنه المؤمن الذي يعشق المطر ويستأنس به، ومنه من يمقته ويكره بذلك نعمة الله.
جدة تغرق في شبر ماء:
لقد هطل المطر باكرًا في صباح يوم الأربعاء الفائت، فكشف عن نقائص وعيوب جمة في شتى مناحي حياتنا، وفي ذواتنا.. فالطرق الرئيسة التي أنفقت عليها الأموال الطائلة سرعان ما تحولت إلى بحيرات آسنة.. غرقت المركبات وغاص ركابها في الأوحال، وتعطلت حركة السير، لا سيما بالنسبة للطلاب والطالبات، وما كان لهذا أن يحدث لولا الغش من القائمين على التنفيذ، وخيانة الله والضمير.. وخيانة هذا الوطن والأمانة.. فقد كان التنفيذ رديئًا لم يراعِ مستويات المياه وانحدارها، وكأن من شيدها قد يئس من رحمة الله.. وعلى الرغم من أن أجهزة الدولة تحركت (الأمانة وشركة النظافة والدفاع المدني) وبذلت قصارى جهدها، إلا أن ما وقع يشكل تشويهًا لجمال المدينة.. لطخ وجهها بالتجاعيد، وإذا ما أمعنت النظر يصدمك الواقع المرير الذي كشفت عنه هذه الأمطار الغزيرة.
السيل من أعالي السطوح:
وقد استيقظ الناس على واقع آخر، فقد تدفق الماء جارفًا بقوة، وأخذ ينهمر من فتحات الأسطح، محاولًا بعد تجمعه أن يجد منفذًا، فيغمر كل ما يعترض سبيله، وداهم النائمين ليوقظهم جميعًا وهم في وضع مدهش.. وعلى الرغم من أن الأسقف مبنية من الإسمنت المسلح، إلا أنها أصبحت تمثل سماءً اصطناعية تنثر المطر كأفواه القرب المثقوبة.. وكذلك بدأت المجاري العامة والخاصة بالتسرب إلى الخارج بعد أن امتلأت وبلغت ذروتها، ولم تجد مسالك تصريف سلسة.
أما السيارات فحدث ولا حرج، فهي أزمة ضمير وأزمة أخلاق متجسدة، فهي الوسيلة التي تعتمد عليها لتنجو من المطر والمستنقعات، لتبلغ مقر عملك أو منزلك، أو لتصطحب أبناءك من المدارس.
وبالعودة إلى السيارات، نجدها قد توقفت وتعثرت حركتها، ولا يعود ذلك إلا لسوء المواصفات، ولكن إنصافًا للحقيقة، نقول إن الشركة المصنعة لم تضع في حسبانها أن تكون السيارة برمائية، أي قادرة على السير في البر والبحر على حد سواء.. وكنتيجة لكل ما سبق، اسمحوا لي يا سادة يا كرام، أيها المسؤولون في المرافق العامة والمؤسسات والشركات، واسمحوا لي أيها المهنيون الأفاضل من مقاولين ومهندسين وعمال تنفيذ، ومن تجار وباعة، أن أطرح عليكم هذا السؤال: إن أوروبا أو الغرب، بل وحتى الشرق، تحل عليهم الأمطار بغزارة تفوق حالتنا.. ففترات هطول الأمطار قد تستمر شهرًا كاملاً.. ولكن لم يحدث قط أن تعطلت حركة المرور، أو تجمعت المياه لتشكل بحيرات، أو أصيبت أجهزة الهاتف بالشلل، أو.. أو.. أو، وما أكثر تلك الأو.. إنها والله مسألة تستدعي التفكير مليًا.. فهل نعيد النظر في جميع تصرفاتنا، ونتطلع إلى المستقبل بإيمان وثقة بما عند الله.. ونضع في اعتبارنا أن المطر قادم في كل عام، بل ويأتي دائمًا، ونتعامل مع الواقع على هذا الأساس.
أتمنى من الله أن يرزقنا من الإيمان ما يضاهي فعل المطر.. فيغسل عنا كل الشوائب والأدران، ويطهر قلوبنا وضمائرنا، لينعكس كل ذلك على أدائنا وإحساسنا بالمسؤولية، وبالولاء للوطن.. آمين.. آمين.. آمين.
هذه مقتطفات من مقالة لي نُشرت سابقًا بتاريخ الثلاثاء 4 جمادى الأولى 1409، أي مضى عليها 29 عامًا ولا تزال المأساة تتكرر على الرغم من الأموال الطائلة التي أنفقت على المشاريع والبنى التحتية.. ولكن مطرة خفيفة كمطرة يوم الجمعة الماضي، على الرغم من أنها لم تكن قوية ولم تدم طويلاً، ومع ذلك تركت آثارًا سلبية جلية.. الأمر الذي يعني أن هناك تراكمات وأخطاء منذ ذلك التاريخ وحتى الآن (وكأننا يا بدر لم نتقدم قيد أنملة)، وحسبي الله ونعم الوكيل.